29 - 06 - 2024

إيقاع مختلف | عن الحرية أتكلم

إيقاع مختلف | عن الحرية أتكلم

(أرشيف المشهد)

17-11-2011 | 13:50

كنت أتابع فيلما تسجيليا بالغ العذوبة والشاعرية عن مبدعين ثلاثة يحيون فى بيت واحد (أحيانا لأنهم كثيرا ما كانوا يوزعون على بلاد الله الواسعة بفعل فاعل)، وكل منهم يمثل حالة إبداعية شديدة التميز ، المرأة بينة الصلابة الفكرية و الإنسانية ، مشاعرها ليست من ذلك النوع الجريح الكسير ولكن من ذلك النوع النبيل الشامخ، والرجل تحس دائما أنه مأسور بقوة غيبية مجهولة تلاحقها عيناه وروحه بشكل متواصل، تشعر معه بلون غير معتاد من الصوفية الفكرية ، وتحس أن انتماءه للحقيقة لا يعادله انتماء، والابن الشاب حالة من البهجة التى تقر بها عينا الحياة مثلما تقر بها عين الأب والأم معا.

نعم كان هذا الفيلم التسجيلى يدور حول عائلة (رضوى مريد تميم)، رضوى عاشور الروائية المصرية المدهشة ، ومريد البرغوثى الشاعر الذى جعل الشعر له هوية ووطنا حين ضاقت بأحلامه وطاقاته الأوطان، وتميم أنشودة الفرح التى تولدت عن عناق الشعر والرواية فى هذا البيت الفريد.

أخذنى الفيلم فى دوامة من السحر الحالم حتى أفقت على كلمات الشاب الملىء بالعنفوان الروحى وهو يقول : الشعر عندى كان محاولة للإمساك بالمفردات حتى لا يغيروا الأسماء ، كنت أحاول بالشعر أن أقبض على الأسماء القديمة حتى لا تستسلم للتغيير ، فتصبح المقاومة إرهابا، وتسمى فلسطين  إسرائيل، ويمسى الاحتلال شرعية.

الكلمات جعلتنى أنفصل جزئيا عما أشاهد وأحلق فى سماوات الوطن لأرى كيف تم تزييف كل الحقائق فى وطنى ، بحيث أصبح الجمود استقرارا، والنهب خصخصة، والخنوع والتخاذل حكمة وبعد نظر، والعمالة صداقة، والسرقة تطبيقا للقانون، وتكميم الأفواه ضبطا لإيقاع الحقائق وصونا للوطن من الفوضى.

استعدت حال الوطن وهو يتوق إلى حرية أن يظهر للعالم أروع ما فيه وأنبل ما فيه وأصدق ما فيه وأن يتكلم باللغة التى يعرفها وعرفها على مدى القرون التى لا تحصى، والتى عرفه العالم بها وعرفها عنه على مدى تلك القرون، إنها اللغة التى تحمل قناديل الاستنارة للدنيا كلها، وتبنى للعالم معالم المجد والخلود، كان الوطن جوادا مقيد الأقدام مكبوح الانطلاق  والدنيا كلها تجرى من حوله إلا هو ، كان النيل يئن تحت وطأة الأغلال التى حولته إلى ساحة للنهب والسلب ونزح الثروات من ديار المصريين إلى جيوب الفاسدين، وكان كل ما يطمح إليه الوطن هو الحرية، وكان أسمى ما يتوق إلى الحرية من أجله هو أن يُرى الدنيا كلها وجهه الحقيقى وجوهره الأصيل.

وأتت تلك الليلة من فبراير وسطع الجوهر المصرى الحر الكريم فى أروع تجلياته، وعادت الدنيا لتنبهر به من جديد.

واليوم أسأل المصريين جميعا : لقد كان الوطن يتوق إلى الحرية من أجل أن يعبر عن أروع ما فيه، ويستخرج من ذاته أنصع ما فيها، ولكى يعيد إلى الأشياء والمعانى أسماءها الحقيقية، فهل فعلنا هذا حقا؟ كيف لنا جميعا أن نسمح للبعض منا أن يروا فيما نحن فيه فرصة لأن يشوهوا الحقائق الناصعة ، ويطمسوا المعانى النبيلة التى تقنا للحرية من أجل أن ننعم بها ونظهرها لأنفسنا قبل أن نظهرها للدنيا.

 الحرية تهتف بنا أن اقبضوا على فرصتكم الحضارية، الأمر ليس خلافا على المغانم أو صراعا من أجل المكاسب، القضية أكبر من هذا بكثير، إنه يومنا الحضارى الذى لابد أن نحياه بكل الهمة والفهم والإخلاص لكى نصنع غدنا الرائع النير المجيد.

الحرية تهتف بنا : تقتم إلىَّ من أجل أن تخرجوا أنبل ما فيكم وها قد أطللت عليكم ولو من بعيد، فافعلوا ما وعدتم به، وما تقتم له، لكى أقترب أكثر وأكثر مطمئنة إلى أننى أحيا بين من يستحقوننى... فهل نحن فاعلون؟؟؟؟

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان